Social Icons

حالة حب : لـ | وليد حمدي اسرائيل


سحبت الكرسي ووضعته أمام الكمبيوتر بلهفة ممنيا نفسي باقتناص بعض البهجة بعد يوم طويل وقاسي

بشغف اضغط ضغطتين على صورتها فتشرق في الغرفة شمسا شتوية مبهجة وتعبق الهواء رائحة لافندر منعشة

أنهل بنهم من براءتها المنسابه في رقة من شاشة الكمبيوتر
وتنبت في قلبي ابتسامة فرحه تتفتح عفويا على شفتي
وأنا أملي عيني بتفاصيل وجهها الآسرة

العينين العسليتين الواسعتين كغزالة برية وتلك النظرة المشاغبة التي تطل منهما

بشرتها الشقراء الناعمة كهمسات المحبين  وحمرة خجولة تكسوها كميلاد صباح جديد

الانف المنمق الذي يتكئ بكبرياء أميرة رومانية أعلى ثغرها الدقيق

الشفتين الورديتين كحبة كرز شهية واللتان تنفرجان بدلال عن اسنان صغيرة متناسقة وبيضاء كذرات جليد تساقطت توا من السماء

احتضن الشاشة بعيوني لعلي ارتوي من ذلك الوجه الملائكي الجميل وأعود بذاكرتي الى حدود معرفتنا الاولى قبل 801 يوم تحديدا

لا أدعي أنني أحببتها من أول يوم بل أن الشعور الاوضح يوم علمت بقدومها كان شعورا بالفضول

فقط أرغب في معرفة شكلها وكيف سأتعامل معها وكيف سنعتاد على بعضنا البعض

وعلى العكس من لقاءاتنا الحالية كان لقائي الاول بها فاترا وحياديا كغريبين تجاورا مصادفة في قطار

ولكن بمرور الوقت ومع عشرتي بها بدأت تملك زمام قلبي وعقلي وروحي وامتلكت حصريا كافة أزرار البهجة في حياتي

تبتسم فتشدوا الدنيا أنشودة السعادة وتغرد البلابل في قلبي ويكسو العالم ضياء الصباح الرقيق

تمنحني حضنها الحنون فتستحيل الحياةحدائق ومروج من الفيولا والبنفسج تتخللها بحيرات عذبة ماؤها شفاف كالبلور وتمرح فيها ايائل ومها وأرانب برية

نعم
إنها بلا شك جنتي الحبيبة

تلك العفريتة الصغيرة ذات العامين
 التي سلبت عقلي

والتي تحمل بداخل جسدها الضئيل روحي وعمري

كل حركاتها وإيمائتها وهناتها محفورة في ذاكرتي لا تبارحها

أول مرة أرى ابتسامتها العزيزة فيمسي الزمان فجرا أبديا لا ينتهي

ضحكتها البريئة المدهشة الصافية كعزف أرغول لعوب
تلك الضحكة التي تجعلني ارفرف في السماء كأنما يخرج من فمها جنيات صغيرة من الهيليوم تداعب روحي

أول مرة تقبض بكفها الرقيق على سبابتي وذلك الملمس الرائع لباطن كفها الاملس الرقيق

لا انسى أبدا تلك القشعريرة المحببة التى سرت في أوصالي لحظة قبلتني القبلة الاولى

ولا رائحة الطفولة الطازجة كرائحة المطر ساعة دفنت أنفي في رقبتها عند الانحناءة العبقرية بين الوجة والكتف

حين طوقت رقبتي بزراعيها القصيرتين فتذوقت معني عبارة"حضنها بيدفي القلب"
  أول مرة أرى دموعها
 وقتها هتفت بلوعة " اسم الله عليكي يا عمري ليه بدموع يا جنه اسم الله عليك يا حبيبي"

أول مرة أشعر بدفء مفاجئ يتسلل من أعلى فخذي الى الاسفل يوم عملتها على حجري

أول مرة شاهدت جنة تمشي منتصبة كان في فيديو أرسلته لي زوجتي عبر الايميل

عندما رأيتها تمشي في بلكونة عمي يحي وكانما تندفع لاإراديا وتكاد تسقط في كل خطوة تخطوها  وكنت وقتها في المكتب غمرتني اثارة

كبيرة وفرحة بلهاء كأني طفل فتح حقيبة والده سرا ففوجئ أنها مليئة بالالعاب والبالونات والحلوى

كانت تطارد قطة صغيرة بخطواتها الغير متوازنة كلاعب أكروبات على الحبل وكانت  تطلق ضحكات متقطعة وتصفق من فرط الاثارة

والفرحة

بمجرد أن أضع المفتاح في باب الشقة أسمع من فوري دبيب أقدام ضئيلة قادمة نحوي فأفتح لأجد ملاكي الصغير مقبلةً على فاتحةً حضنها

الرقيق فأحملها وأنا أطير من الفرحة وقد انمحت من روحي كل أثار التعب والارهاق بعد يوم طويل وشاق
وبعد أن بدأت تنطق بعض الكلمات كنت أستمع إضافة

الى دبيب الاقدام الصغيرة كلمة من أروع ما يمكن للمرء ان يسمعه " بابا بيبي  بابا بيبي"

فأتلقفها بين زراعي وأذوب معها في دوامه من السعادة والبهجة

أتذكر أيضا يوم دخلت عليها المطبخ أنا وأمها لنجدها قد نثرت كيس كامل من الدقيق على الارض وقد تحول لون شعرها ورموشها وبشرتها

الى الابيض الباهت فكانت أشبه بالقطه بوسي كات في أفلام توم وجيري

يومها لوحت لنا بيدها قائلة بدلال ملائكي " باي"  أي اتركوني أكمل واخرجوا

ومنحتنا ابتسامة ملائكية مستعطفة لو رآها إبليس لتاب ثم اهتدى
 فلم أملك إزاءهذه الرقة إلا أن أتركها تكمل ما بدأته

ويوم كانت تلاعبني بينما كنت أصلي وكانت وقتها مازالت تزحف فامسكت برجلي فلم أنظر لها ثم انتصبت على ركبتيها وأنا راكع لتلاعبني فلم

أعرها أهتمام فأنتظرت حتى جلست واستندت على ووقفت في مواجهتي ثم أخذت تربت على وجهي بكفها وتبتسم فلما لم أبادلها حتى الابتسام طوحت كفها في الهواء وصفعتني صفعة قوية على عيني آغاظتني وجعلتني أخرج من الصلاة هاتفا رغما عني  " آه يا بنت الكااالب "

وحين تصرخ في بعنف "بابا" إذا حاولت التدخل لفض مشاجرة بينها وبين أمها
وحين تصر أن أضع حذائي في حجري ولا أتركه على أول الغرفة
وحين ترفض أن أعطي امها جوالي لتحدث عمي يحي أوشخص ما على الخط وترفض ايضا أن أحمل شنطة امها عنها أثناء عبور طريق
أوصعود سلم

 وحين اغافل قلبي وأصرخ فيها أوأعنفها فترد الصرخة بصرخة مماثلة وتلوح لي بأصابعها الخمسة القصيرة " كُبة"أوتضع سبابتها أمام

فمها الصغير قائلة " اففففففف" تقصد "هششششششش" فلا أملك الا الابتسام والرضوخ لها

وحين تطعمني بيدها "مما"كأني عروستها الصغيرة

وحين أمثل عليها أني أبكى فتسرع الى وتربت على رأسي بيدها الرقيقة فأشعر أني سأبكي حقيقي

 وحين ضربتها على يدها لمرة وحيدة فنظرت لي نظرة لائمة بعينيها الدامعتين

مازالت تلك النظرة  تؤلمني الى الان

إن حب الابناء هو نوع خاص من المشاعر لا تضاهيه  أي مشاعر أخري وبمعنى أدق هو ليس درجة شديدة من الحب .. الحب العادي الذي

تمنحه لأب أوصديق أوحتى حبيبه بل هو نوع جديد من المشاعر يولد مع ميلاد الابناء ينبت في ذلك الحيز الصغير بين الكبد والقلب وتمتد

جذوره لتتغلغل في كافة الأحشاء ...الكبد والرئة والامعاء حتى تصل الى تلك النقطة الخاصة جدا والعميقة جدا في القلب فتزيح كل ما

عداها وتتربع على عرش مشاعر الانسان  "الاب" وتصبح له
كل الحياة

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي