أنا ومُذ أن وعيتُ بذاتي ، كانَ يراودني ذاك الشعور بأني سبقت سِني ، وأني حِزتُ من النضجِ ما انشغل عنه أقراني ، كنتُ أشعر بأني أملكُ الإرادة لأن أُصبحَ شيئاً عظيماً، أن أُغيّر العالم أو هراءٌ من هذا القبيل، حتى تمنيتُ دائماً أن أكبر سريعاً لأصير جديراً بطموحاتي ، غير أني شيئاً فشيئاً لم أعد قانعاً بأن أمارس أي تغيير مؤثر في ما حولي ، بل صار مجهودي يقتصر على أن أنزوي لداخلي وأمنع المكان من ممارسة تغييره المؤثر عليّ ، وما عاد يُهمني لو ذهب هذا العالم الى الجحيم ، لقد أدركت متأخراً أني من بين أقراني كنت ضمن الأشد تخلفاً والأقل نضجاً، وأني تركتُ الحياة تمضي فيما كنت منشغلاً بعدم الإنخداع بمظاهرها، بل والإنتقاص من متطلباتها العملية ومسؤولياتها ، هذا الوعي المفرط في كُل شيء يجُرني نحو الهاوي ، حيث أجد في قاعها سوادً مُظلم من الكآبة والقلق وعدم الراحة ، والشعور الدائم بعد الإنتماء للمكان الذي زرعني القدر فيه ، إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من اﻹفراط فى المخدرات ، فمن دون شك هو اﻹفراط فى الوعي وإدراك اﻷشياء ، كافكا قال هكذا يومًا ، ولا أعرف لماذا لم آخذ بنصيحتهِ على محمل الجد ، هذا العالم بدأ يخنقني جداً ، ولا أشعرُ فعلياً بأني على قيد الحياة ، ولا أظن أن تسطير الكلمات البائسة بهذا الشكل قد تنفع أحداً غير أني لا أجدُ متنفساً غير الكتابة ، ولا أظن أن أحداً سيفهمُ تماماً معنى أن تكونَ في العشيرين من عمرك بينما تشعرُ أن روحكَ الثقيلة تجرُ سبعينَ عاماً وراءها .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)