Social Icons

الجحيم هو الآخرون : لـ | وليد حمدي اسرائيل

ذات يومٍ وأنا صغير , رفضتُ شرب اللبن الذى قالت لى أمى بمرح ’ أشربه لكى تكبر ’ , وعندما ازددت عنادا امسكتنى و أخذت تحاول حشر فوهة الزجاجة فى فمى , لكنى أخذت أقاوم الى ان تمكَنَت من سكبه فى فمى , تجرعته و لكن لم ابتلع معظمه , و عندما استدارت تقيأت ما تبقى منه , ليس لأنى لا أحب اللبن ( فى الحقيقة كنتُ اتسلل ليلا للثلاجة لكى أتجرع فى الخفاء من اللبن ما يتسنى لاشباع رغبتى به ) , و لكن لأنهُ طُلِب منى أن أشربه , الان المجتمع بأسره يطالبنى دوماً بعملِ أشياءٍ كثيرة , أنفُر منها لحظيا حينما تطلب منى , سأُنعت بالفاشل و بالكسول و بالضعيف و بالاحمق , كما كانت تزعق أمى فى وجهى حينما ترى اللبن الذى تقيأته ليلا , وكما كان يزعق بى أبى _ و يضربنى _ حينما لا أقوم بواجباتى المدرسية ( كنت أنقلها فى افضل الاحوال ) , يمكننى أن أقول أنه منذ أن حلت الكارثة ( أقصد ولادتى ) , وأنا فى صراع مع كل شىء , وكأن كل الاشياء أصبحت قيود , و كأن الوجود ما هو الا زنزانة كبيرة تبتلع كل الاشياء , نظرات الاخرين تشعرنى دائما بالخجل و تربكنى , حينما لا ينظُر الى احد أصبح مركز الاشياء , و تكون كل الاشياء موضوعاً بالنسبةِ لى , الا ان يظهر الاخر فى عالمى , فيضطربُ كل شىء , و أتحول الى موضوعٍ بالنسبةِ له , الان أشعر برغبة ملحة فى الذهاب للصحراء و الصراخ , و استقبال صدى الصوت وحدى و كأنى الذات الوحيدة الموجودة , و لكنى أعرف أنى سأموتُ هناك بعد أن أهدأ و أهدأ حتى أتحول لمجرد مراقب للأشياء , تلك هى المفارقة التى توصم الوضع البشرى بأكمله , ’’ الجحيم هو الآخرون ’’ و فى نفس الوقت لا وجود لنا بدون ’’ الآخرون ’’ , أى أننا محكومٌ علينا بالجحيم , أو يمكننا القول أن الجحيم مرادف للوجود البشرى ..

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي