أظن أن فكرة الفقد ليست كما يصورها البعض " إن الدنيا مليانه بشر،.لو راح واحد يجي غيره "
لا أبدا ً .
أتذكر مثلاً في مسلسل فريندز عندما سألوا ريتشل بعد أنتهاء علاقتها بـ روس : " لماذا ما زلتِ متعلقة به ؟ ".
قالت : " there is too much history between us "
هذا الجملة العظيمة تختصر ربما كل الحديث الذي انوي أن أكتبه ...
فكرة أن هناك شخص كان يشاركك حياتك ، فهو يصنع جزء من تاريخك أنت ، يدخل في صنعك انت شخصياً ، وهذا يتوضح جلياً عندما تتصفح صور الماضي وتشاهد نفسك مع أشخاص ، عندها ستتذكر حياة ولحظات وكلمات ووعود وأمال كانت معقودة في المستقبل ، ستتذكرشعور قلبك ناحيتهم ،.فكرة أن شخص ما عندما يقرر الإنسحاب من حياتك ، فهو سيقوم بأخذ جزء من تاريخك ، ياخد جزء منكَ أنت شخصياً !
وكل ما كان هذا الشخص صنع جزء كبير من شخصيتك بوجوده ، وأشعركَ بحالات من البهجة والأنس ، وشارك في تكوين كيانك العقلي والعاطفي ، علي قدر قربه منك ، علي قدر الجزء المفقود منك عند الإنسحاب ومقدار الألم الذي سيخلفه
الأب والأم فراقهم يقتل الجزء الطفولي داخل الإنسان ، لأنهم ياخدون معهم كل ذكريات الطفولة ، يصبح تذكار الصبا نوعاً من الألم ، يشعر الإنسان أنه فقد جزء منه ، يشعر أن نور حياته قد انطفئ بفراقهم
هناك قلوب متهتكة وحزينة من كثرة الأمال المقتولة علي هيئة أشخاص كانوا يمثلون كل العالم لتلك القلوب ، الشخص عندما يشارك صديق سنين من عمره ، ثم ينسحب كأنه لم يكن لسبب ما يحيل دوام تلك العلاقة ، الإنسان لا يخسر في الحقيقة هذا الصديق في المستقبل فقط ، لكنه يكون في تلك اللحظة فقد سنين من عمره ، بقدر تلك الصحبة .
عندما تخسر شخص ما وأنت في عشرينات عمرك غيره عندما تكون في الثلاثنيات غيره عندما تكون في الأربعينيات ، وكلما تقدمت في العمر يصعب أن تبتدأ في صنع تاريخ من الذكريات جديد ، يصعب عليك أن تستعوض تلك الخسارة وتنهض لصنع صديق أو حبيب جديد ، من جديد ، يصعب أيضا البدء من جديد بنفس الطاقة ونفس الأمل ونفس الشعور ، يهاجمك الخوف من الخذلان والخوف من الفقد بعد البناء
لهذا هناك الكثير من الناس بعد عمر معين لو فقدوا عزيز ما ، تجدهم يرغبون في الموت بكل صدق ، حيث أن الجزء الراحل منهم هم شخصيا أكبر من الجزء المتبقي لهم في تلك الحياة ..
جملة مواسية مثل " أحبوا هونا ما وأبغضوا هونا ما " لا تعمل هنا ، لأننا لا نتكلم عن كمية الحب ، لكننا نتكلم عن سنين القرب والصحبة التي صنعت بالفعل بسبب هذا القرب والمصاحبة ولو كانت المصاحبة حتي هونا ما !
الانسان مجموعة من الذكريات المتراصة فوق بعضها و التي تمثل عمره كالبيت المرصوص لا يمكن ازالة جزء منه بدون التأثير علي الكل لذا يستحيل نسيان الذكريات مهما حاولنا فهي تظل ثابتة في مكان ما من الذاكرة وكثيراً ما نتعذب بذكرياتنا خاصة اذا فقدنا حبيب او صديق و لذلك ايضاً كلما زادت اعمارنا زاد حنينا الي ذكرياتنا وزاد وجعنا ... وحده من يمتلك الشجاعة والارادة القوية هو الذي يستطيع المضي قدماً ليكسر نمطية هذا الكلام ويتجاوز هذا الألم وينهض من جديد بعدما تحمل القدر الأكبر من الخسارة ....