Social Icons

الانتحار : لـ | وليد حمدي اسرائيل

اعتقد ان الانتحار بيبقى فى الاساس محاولة جذرية للتخلص من ’’ عبأ و عينا الذاتى بنفسنا اللى معندناش القدرة أبدا اننا نخلص منه حتى فى أشد درجات السُكر ’’
.
ادراكنا دايما أننا بنمتلك الحرية واننا فـ كل لحظة بنختار _ عدم الاختيار بيعتبر فـ حد ذاته اختيار _ بيخلينا على وعى دائم بمسئوليتنا .. واعيين بحريتنا و بمسئوليتنا طول ما احنا قادرين نتخيل مواقف مغايرة للى احنا فيها و بالتالى عندنا دايما الحرية اننا نتراجع عن موقفنا و نقيمه و نقرر هنعمل ايه , زى مثلا لو حد تخين , طول الوقت مُدرِك الموقف المغاير الا و هو انه فـ ايده يعمل رجيم و يخس , لكن قدرته على ’’ تخيل الموقف المغاير ’’ دى شىء بيعذبه , لانه بيدرك ان هو المسئول , وان هو اللى بأيده يقرر يخس , بيدرك أنه حر و مسئول فـ نفس الوقت ..
.
ووعينا بالمسئولية ده عبأ كلنا بنحاول دايماً نتخلص منه بارجاع فشلنا مثلا او اى شىء سيىء اقترفناه لعوامل خارجية او لاشخاص تانية , و بيخلينا برضو دايما نلجأ للناس و نخليها هى تقررلنا عشان نتخلص من عبأ المسئولية أو من عبأ اننا نلوم نفسنا بعد كده اننا مختارناش الخيار الفلانى , نلوم نفسنا لاننا كنا احرار ساعتها و اننا المسئولين عن اختيارنا
.
المشكلة بقا ان وعينا الدائم لنفسنا ده فـ حياتنا اليومية بيكون السبب اننا منكونش نفسنا ! , بيخلينا نعيش _ على حد تعبير هيدجر _ وجود زائف غير أصيل , بيظهر ده بشكل جلى فى حياتنا و تعاملاتنا اليومية , اما بتكون انفعالاتنا و احكامنا و آراءنا مرتبطة بشكل كبير بانفعالات واحكام و آراء الاخرين , و بيخلينا نشوف نفسنا بعيونهم مش بعيوننا احنا , و لذلك محدش بيكون هو فعلا فـ الوجود اليومى , بنكون نفسنا فعلا اما بنقفل على نفسنا باب الاوضة و بنقعد لوحدنا من غير ما يكون فى عيون بتبص علينا
.
سارتر اما كتب مسرحية ’ لا مفر ’ , اللى بتحكى عن 3 شخصيات اتقابلو فى الجحيم , معتقدين ان العذاب هيكون جسدى و انهم هيتحرقوا فى النار وما الى ذلك , بيُفاجئوا ان مفيش اى حاجة من الحاجات دى , و بيكتشفو ان الجحيم الحقيقى هو وجودهم ال 3 مع بعض فـ أوضة مقفولة _ من غير مرايات _ للابد , لاننا فـ حال وجود الآخرين بنحاول دايما نجبرهم انهم ينظرولنا بالطريقة اللى نحب نبدو بيها , و فـ نفس الوقت الآخرين برضو بيبقوا عايزنا ننظرلهم بالطريقة اللى كل واحد فيهم يحب يبدو عليها , و ده بيخلينا دايما فـ صدام , صدام بين الرؤى الذاتية لانفسنا و بين نظرة الآخر لينا
.
لكن هل فى مفر من نظرات الآخرين دى ؟ , احدى الشخصيات التلاتة فـ المسرحية بعد ما فاض بيها الكيل وخلاص معدتش قادرة تستحمل وجود الشخصيتين التانيين قعدت تخبط على الباب عشان يفتح , و بالفعل باب الاوضة اتفتح ! , لكنه وقف و اتردد و مقدرش يخرج , و عبقرية سارتر فـ تصويره للمشهد ده تكمن فـ انه قدر يجسد و يبرز بقوة جانب مهم جدا من تعاستنا كبشر _ من الناحية الوجودية _ فى مشهد واحد : ’’ الجحيم هو الآخرون ’’ و فـ نفس الوقت لا وجود لينا بدون الآخرون مهما كنا انطوائيين و مكتفيين بذاتنا , لذلك ’’ لا مفر ’’ ..

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي