Social Icons

لماذا أحب قصيدة النثر : لـ | وليد حمدي اسرائيل


أتفهم دوافع الأدباء الخليجيين لتمسكهم بالشكل الموزون للشعر.. لكنني أعجب لهؤلاء المصريين الذين لا يملكون القدرة الكافية للخروج من عبودية الموروث الشعري والنسق العمودي لهذه البنية الشعرية البدوية وأوزان الخليل التي لا تمثل ثقافتنا في شيء ولم تكن يوما انعكاسا لبنية المكان ولا الوعي ولا المنتج المعرفي والتاريخي والإنساني للبيئة المصرية .. وأعتبر أن تخطي هذا الشكل والتمرد عليه هو تخلص واعٍ من تبعية الوعي لثقافة الشفاهية الشكلانية الصحراوية .. وهذا ليس انتقاصا من شأنها إطلاقا ولكنه مجرد بيان لاختلاف الشخصية المصرية ذات الميراث الفرعوني بكل تمايزاته الفكرية والفلسفية وبين الثقافة العربية القديمة .. الشعر العمودي والموزون يمثل شبه الجزيرة العربية .. ولا يمثلنا نحن في شيء .. وأنا لست مطالبا بأي حال من الأحوال بالإيمان بقداسة شكل أدبي لا يمثل ميراث وطني أو بيئته أو تجليه التاريخي والإنساني عبر العصور .. ربما كان هذا أول أسباب محبتي لقصيدة النثر .

...
الكتابة الشعرية نوعان ..كتابة نمطية وهي مجرد تكريس لمشروعات الآخرين واستفراغ ممل لمنتج السابقين .. وأصحابها يدورون في فلك واحد ولا يضيفون للشعرية العربية مشروعا ولا يتركون بصمة وهم حالة تكرارية لا صدى لفردية فيها أو تميز .
ثم : كتابة انقلابية .. تخص صاحبها وحده .. تتخطى وتتجاوز .. تبدع صوتا أصيلا .. تضيف وتتمرد وتخلق مساحة تخصها .. قصيدة النثر إن لم تستطع أنت توظيفها لتبدع كتابة تخصك فلن تكون سوى بوابة مائعة لصناعة شعراء مزيفين أشبه بعرائس المولد بلا روح أو حياة .. عالة على الشعر والشعرية .. النمطية هي أقرب وسيلة لوأد الشعراء .. من المفترض أن قصيدة النثر انقلاب ضد النمطية من الأساس

اختلافي مع معظم شعراء السبيعينات إنهم كانوا بيكتبوا النص من فوق مش عايشينه .. بيكتبوه بذهنية لغوية متعالية .. اللغة عندهم أقوى من تجليات أرواحهم في النص .. قصيدة النثر لا تعترف بشاعر متعالٍ على نصه .. ومبتحبش غير الشعراء المجاذيب اللي روحهم وحياتهم وأعماق أعماقهم محفورة في شقوق النص .. قصيدة النثر حية وملتبسة بصاحبها .. بتعشق المعيش والإنساني .. وتعترف بمن يعيشون الحياة فعلا .. لا من ينظّرون للحياة .
....

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي