Social Icons

ارتباط وجود الاخلاق بوجود البشر : لـ | وليد حمدي اسرائيل

ساعات كتير بحس ان ارتباط وجود الاخلاق بوجود البشر , و تحديدا لضبط سلوكهم , أشبه ما يكون بالكلبشات اللى لا بد من وجودها مهما داعبنا خيالنا بصورة عن عالم حر تماماً لا وجود فيه لاى سلطة او قانون 
.
و مش القضية الرئيسية هنا هى ان هل الكلبشات دى احنا اللى صنعناها ولا أُرسِلت لينا و لا هى جزء أساسى من تكويننا أصلا , لكن القضية الرئيسية فـ رأيى هى ايه هو المعيار اللى نقدر نحكم بيه عـ الاخلاق دى , و هل المعيار ده ذات نفسه مهما كان يبدو مبتكر خاضع لقانون اخلاقى ما بحيث ان الفكاك من قبضة الاخلاق التى وجِدت سلفا بيصبح عبث لا طائل منه ؟! , هل الصح اننا نفنى ذواتنا فى ذات جماعية شاملة و نتوحد معاها و نهمش من مصالحنا الشخصية و من رغباتنا ؟ , و لا العكس هو الصح : الاهتمام بالفردية و بالمصالح الشخصية و عدم الانسياق وراء الجماعة و موافقتها الا لو بالصدفة توافقت مع اراءنا الشخصية و مصالحنا ؟
.
عامةً الاسئلة دى بالرغم من بساطة صياغة أسلوبها الا ان في اجوبة متنوعة جدا عنها و زوايا لا حصر لها للنظر ليها , مئات الكتب و مئات السجالات , العامة من الناس بطبيعتهم مش بيحسو انهم بحاجة يدخلو نفسهم فدوامات فكرية لانهم بيكتفو دايما باللى ورثوه و باللى موجود , و فى الغالب اللى بيبذل منهم جهد بيبقى محاولات لعقلنة و تبرير الاخلاق الموجودة او الموروثة , لكن أصحاب الذوات الشغوفة المتشككة لا يمكن يرضو بأى شىء عـ الجاهز الا لو تأكدوا مية فـ المية _ و ده صعب جدا ان لم يكن مستحيل _ انه ( صح ) , و كلمة صح دى بترجعنا تانى للنقطة الرئيسية , ايه هو ( المعيار ) ؟ , ايه هى الارضية الصلبة اللى نقدر نقف عليها و احنا متأكدين مية فـ المية من ان اى شىء هنبنيه عليها انه صح ؟
.
للاسف اللامعيارية دى هى سِمة الفكر ما بعد الحداثى عامةً , غياب الطمأنينة و الثقة و التفاؤل اللى كانت روح نهاية القرن ال19 والقرن ال18 , و مش ترف فكرى ولا حاجة اننا نقول ان اللامعيارية دى اتسببت فخلق ازمات كتير للانسان المعاصر منها احساسه الدائم بالاغتراب ( مش شرط الاغتراب بالمفهوم الماركسى ) , و احساسه الدائم بأنه العالم بيسير اسرع من سرعة ادراكه له , و أحساسه الدائم بهامشية حجمه بالنسبة للناس و بأن الضغوط اللى الحياة بتفرضها عليه اقوى منه دايما و انها زى الصخرة العملاقة اللى معندوش القدرة على حملها وانها هتسحقه لا محالة , كل السمات اللى ذكرتها دى اللى بتعبر عن الروح العامة للبشر فـ العصر الحالى مرتبطة ارتباط جذرى باللامعيارية / غياب الارض الصلبة / غياب الطمأنينة / تشظى المعنى الخ الخ
.
لذلك بالرغم من انتقادتنا اللاذعة فـ كتير من الاحيان لطمأنينة و عبثية تفاؤل البشر فى القرون الماضية , و انتقادنا لرجعيتهم و لسيطرة الافكار القديمة عليهم بشكل قوى , الا اننا للاسف مع كل التقدم ده و التراكم المعرفى بنتجه دايما للامعيارية و لغياب المعنى و لغياب الارض الصلبة بالاضافة لتبعات الامور دى الاخلاقية , و هنا اقدر اقول بشىء من الثقة ان احياناً قد تتسبب رغبتنا فى الحصول على المعرفة لذاتها فى اضرار لينا عملياً , بمعنى انه مش بالضرورة خالص ان انعكاس التراكم المعرفى و التقدم التكنولوجى على حياتنا الاخلاقية و الشخصية يكون جيد !

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي