Social Icons

لحظة ميلادنا : لـ | وليد حمدي اسرائيل

من بين كل مواليد الكائنات الحية , بينزل الانسان من بطن أمه يصَرَخ , بيستقبل أبوه و أمه و عيلته و الطبيب اللى ولِده و البشرية كلها بالصراخ فى وجوههم , لكنهم بيقابلوه بالابتسامات و الاحضان و القُبل لإن صراخ المولود ده بالنسبالهم شىء مألوف , لإنهم بيشوفوه دايماً فمفهوش حاجة غريبة بالنسبالهم , لكن طبعاً لو مش ده الطبيعى و الشائع كان الموضوع هيبقى مفاجىء بالنسبالهم و يستدعى التفكير , المهم إنهم فـ ساعتها بيختاروا للمولود ده إسم , و دين , و مهنة مستقبلية , و يمكن حتى كمان بيبتدوا يفكروا فـ مين هتبقى زوجته اما يكبر , الخ الخ الخ ..
.
بعدين اما بيكبر شوية بيتم ترويضه عن طريق التربية ( اللى بتعتمد ع المراقبة و العقاب و المكافأة ) , فبيبتدى واحدة واحدة يتقولب زيه زى المليارات من بنى جنسه , لحد ما فى الآخر يبقى شبههم فعلاً , بعد ما يكون تماهى مع الإسم اللى إختاروهوله , و الدين اللى إختاروهوله , و برضو بعد ما يكون تماهى مع وظيفته , و بعد ما يكون تماهى مع العديد و العديد من الصور النمطية , باختصار يعنى بيبقى فى النهاية طوبة فـ بناءهم الضخم , طوبة مبتختلفش فـ أى شىء عن بقية الطوب اللى زيها , طوبة مستقرة فـ مكانها و متقدرش تتحرك منه , مكانها اللى مُعد ليها من قبل ما تتوجد و اللى بعد ما إتوجدت إتحطت فيه و بقت مستريحة , فطبعاً بعد عمليات التماهى دى و القولبة بيبطل يصرخ فـ وشوشهم , لأنه خلاص بيبقى نسخة منهم , و ده السيناريو السائد لحياة أغلبنا
.
لكن من وسط المليارات دول اللى بيتم قولبتهم و تشييئهم بيظهر بعض الاشخاص بيكون عندهم مقاومة عالية جداً للقولبة و التشيىء دول , الأشخاص دول طبعاً بيكون عددهم قليل جداً , و مقاومتهم العالية جداً دى بتكون نتيجة وعيهم اليقظ دايماً , وعيهم اليقظ اللى بيرفض يطرد من دماغهم الأسئلة الكتيرة ( واللى بتكتر دايماً و بتتضاعف بمرور الوقت , و كأن فـ دماغهم دايماً إنفجار لانهائى من الأسئلة ) , الأسئلة اللى فـ الغالب بيتم تجاهلها أو محاولة إخمادها من الأغلبية , لإن وجودها بيعمل زعزعة لكتير من الثوابت اللى بانيين عليها حاجات كتير , و بالتالى بيهدد إحساسنا بالطمأنينة و بيسببلنا نوع من القلق , و يمكن كمان القلق ده يتطور لحد ما يبقى إحساس بالحيرة الشديدة اللى تكاد تكون إحساس بالضياع , الأشخاص دول هما اللى بيبقوا فعلاً فلاسفة حقيقيين , فلاسفة حقيقيين بيتمتعوا بالأصالة , العبقرية , الصرامة الفكرية , الصدق مع النفس , الجدية ( حتى مهما كانت نظرتهم للحياة فـ مجملها نظرة عدمية , بل و هزلية حتى بتشوف الحياة بشكل تراجيكوميدى )
.
فممكن بشكلٍ ما نشوف إن الفلاسفة الحقيقين هما الأشخاص اللى مكانتش آخر صرخاتهم تجاه العالم هى صرخاتهم و هما لسه أطفال زى أغلب البشر , بل إستمر صراخهم ده لكن بأشكال تانية أكثر تطوراً و تعقيداً , زى مثلاً نقد الأسس اللى الأغلبية من الناس مستقرين عليها و بانيين عليها أخلاقهم و تصوراتهم و نظرتهم للحياة و الخ الخ , و زى طرح الأسئلة الجوهرية باستمرار , الاسئلة الجوهرية اللى بطبيعتها دايماً بتكون مؤرقة و فـ الغالب ملهاش حل نهائى , أشخاص عمرهم ما حسوا أبداً بالتأقلم مع ’’ الوضع الحالى ’’ , أو حتى مع مجرد واقعة ’’ وجودهم ’’ , و بالتالى دايماً بيبقوا مهمومين بإصلاح الأوضاع الحالية , و بمقاومة السىء فيه , و بالبحث الجاد فى مسألة إن هل لحياتنا معنى فعلاً ولا لا
.
طرح الأسئلة الجوهرية جانب كبير فيه نقدر نوصفه بإنه ثورى , لإن فى الغالب الأسئلة الجوهرية دى بتكون أشبه بطلقات الرصاص , طلقات الرصاص اللى إطلاقها على حوائطنا المستقرة كفيل بإنه يهدها و يبين أد أيه هى هشة و ضعيفة
.
كلنا بنصرخ لحظة ميلادنا , لكن الحقيقين مننا فعلاً هما اللى مبيكفوش عن الصراخ أما بيكبروا

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي