أن تنتبه للحب وهو ينفلت منك ، كأن تراقب إيمانك وهو يتلاشى ، لحظات شجاعة وذكاء وسخرية استثنائية جدًا ، حتى أنك تستهلك وقتًا طويلًا لتعترف أمام نفسك أن ذلك يحدث فعلًا ، أنكَ ترى العالم دون هيبته ، وتنتبه لكل التفاصيل التي أغفلتها ، كل ما يجعل من تحب شبيهًا بالآخرين ، سيكون ذلك الذي أحببته يومًا ودفعت مشاعرك وعواطفك كسيولٍ جارفة لكي تغرقه وتحتويه عاديًا جداً وأن جميع المشاعر قد نضبت وجفت وأصبحت هذه العلاقة مقفرة ويابسة وبلا حياة ، تنتبه للنمط الذي أغفلته لصالح استثنائية كنت متيقنًا منها ، الآن تدرك ، هي تتكلم مثل زميلاتها في الجامعة ، وتمشي مثل بنات طبقتها ، بل وتضحك مثل بنات الأسر المحافظة المتمردات ، حتى طريقتها الساحرة في نطق جملة بعينها ، تكتشف أنك سمعتها بنفس الطريقة مرات عديدة ، من مليونِ نسخةٍ أُخرى ، الإدراك نفسه يحز في نفسك ، كأنك تسب صديقًا قديمًا في حضرة أعدائه ، لكن هذه السخرية العميقة بمجرد حدوثها لا يمكنكَ التراجع عنها ، تشعر بالقوة لأنك تحطم شيئًا عزيزًا عليك ، تراه يسقط من روحك ويهوي ولن تحركَ ساكنًا لأجلِ إنقاذه ليس لأنك لاتملكَ القدرة بل لأنك سئمت ، لن تشعر بالذنب لتحطيمك إياه ، سيكون بوسعك أن تحب مرة أخرى ، كما يمكنك أن تؤمن ثانية ، لكن هذه المرة ، تكون أكثر خبرة ، أكثر احترازًا وأقل تورطًا ، ومستعداً للإنسحاب عند أول إشارة لتَهَدُم العالم الجديد ، ليس الحب الأول أكثر وطأة لأنه أكثر أصالة ، فعادة ما يكون نتيجة لقلة الخيارات ، هو أكثر وطأة لأنه يخترقك دون دفاعات ، ولأنك تصمد بوجههِ طويلًا قبل أن تكتشف أن الإنسحاب ليس عارًا يجب تجنبه ، وأن الدهشة لا يمكن إعادة تخليقها بالقوة ، وأن مقاومتك اليائسة تزيد من قسوة الانسحاب لكنها لا توقفه ، وأن الحبل الذي لا تدعه يفلت منك يلتف حولك وحول من تحب ، وكلما شدته أكثر كلما شعرت بالاختناق ، الاختناق الذي تفسره مخطئًا أنه نتيجة للانسحاب لا المقاومة ، لم تعد تمتلك الرغبة في المحاولة ، ليس لأنكَ لم تعد مهتمًا ، لكنك لا ترغب بالمزيد فحسب ، لا أحد يعرف كم قاومت ، وأنت محترقًا بجحيم هائل داخلك ، وأنت تعاني لأجل أن تخرج نفسك من محيط الوهم الذي كنت غارقًا فيه ، لتكتشف أخيراً أن التخلي عن هذا الحُب المُعاق لهو أفضل ما يمكن أن تفعلهُ لأجل إنقاذ نفسك ، وتعود الى رشدك ، وتمسك ورقةً وقلم وتكتب رسالتك الأخيرة :
" على كُلٍ ، لم يبقى لنا أي سبب للإستمرار ، آسف لأني لم أعد أحبكِ ، آسف لكوني أصبحت أمتلكُ الشجاعة الكافية لقول هذا " ...
،
- التاسع والعشرون من إبريل ، السنة السابعة عشر بعد الألفين