قبل مدة وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء، هذا الصديق يعاني من صدمة فشل العلاقة العاطفية وصدمة المرأة التي أحبها ، قال لي ماذا أفعل ؟ أكتب لي شيئاً ، أنا أسف لتأخري بالرد عليك يا صديقي ، لكن أن كنت تقرأ هذا المنشور فهذه نصيحتي لك :
هناك دائماً معضلة تواجهنا في الحُب ، ألا وهي " أفتراضنا أننا نُحب أشخاصاً لا يبادلونا أي مشاعر ، أو أنهم لا يحبوننا أصلاً ، عندها سيعترينا إحساس بالإحباط والخيبة ، سنشعر بأننا نستجدي الحُب منهم ، أو إننا نُجبرهم أو نغصبهم على حُبنا ، سنمنحهم الحُب والإهتمام الكبير ، وسنكون على إستعداد للتضحية بحياتنا لكي نسعدهم ، لكن لن يحصل أي شيء سوى المزيد من الصد والرفض وعدم المبالاة من الطرف الثاني ، سنعيش في دائرة مفرغة من الوهم ، لا نستطيع أن نقترب منهم ولا نستطيع أن نبتعد عنهم ، عندها سنشعر بالألم والمعاناة ، باليأس والفشل والإحتقار .. سيتولد داخلنا شعور مفرط بالإنتقام من أكثر شخص كُنا نحبه ، ونجعله يتجرع نفس العذاب الذي سببه لنا ! ، لكن في الحقيقة أن هذا العذاب لا يوجد متسبب به غير أنفسنا ! ، نحن المسؤولين عن كل ما يجري ، نحن الذين نرهق أرواحنا بالتفكير ونحن الذين أدخلنا أنفسنا في معركةٍ خاسرة وتحملنا بسببها القدر الأكبر من التضحية .
في هذا الزمن ، هناك طعامٌ ملوث ، وجوٌ ملوث ، وماءٌ ملوث ، يوجد كذلك الحُب الملوث ، هو أشبه ما يكون بجنين مشوه كان ثمرة علاقة غير شرعية طرفاها الشهوة والفراغ ، الحصول على الحُب أصبح يشبه طفل صغير يريد لعبة أعجبته موجودة في واجهة المحل ويبكي ويصرخ لأجل الحصول عليها ، يريد أن يمتلكها فقط ، بغض النظر عن حاجته الفعلية لها ، عندما تكون هذه اللعبة إنسان ، ذكراً أو أنثى ، حبيب أو حبيبة ، نحن نريده فقط ونريد الحصول عليه لأجل إشباع غرورنا فقط ، لا نحترم قراره ولا نحترم كيانه ، نفرض خيارنا عليه ، وعندما نعجز في الحصول عليه ، نتحول الى تلك الحالة الضعيفة والهشة والمنكسرة ، بعضهم ربما يقول ، لقد توقفت حياتي عند هذا الحد ! ، يصبح الشخص عاجز عن التفكير ، عن إتخاذ القرارات ، عن فعل أي شيء ، يتحول الى كائن ميت ، يتنفس ويأكل ويتحرك لكنه ميت بالمعنى المجازي للكلمة ، يعتقد الرجل أن تلك الفتاة التي فشل في الوصول الى قلبها أو التي رفضته أو التي فشل في أن يحتفظ بوجودها في حياته هي سبب هذا البؤس والخراب الذي وصل اليه ، لكن في الواقع هو الي قتل نفسه بنفسه ، ضعفه قتله ، سذاجته قتلته ، وهمه الذي قتله ، عدم ثقته بنفسه هي كانت أحد أهم أسباب موته !
الحب بعمره لم يكن عبارة عن ضعف وإستجداء وتسول ، الحُب هو أن تثق بنفسك أولاً قبل ان تطلب من الشخص المقابل أن يثق بك ، الحُب هو أن تتقبل نفسك ، شكلك ، جسمك ، حالتك ، شخصيتك ، حتى عيوبك التي يجب أن تسعى لتصحيحها لأجل نفسل وليس لأجل أحد آخر ، عندها ستجد أن الكون كله سيتقبلك ويحترمك ، فلسفة الحب في جوهرها تعني الإمتزاج الروحي والنفسي والجسدي مع الشخص الذي تُحبه ، إذا لم تستطع أن تخلق هذا الإمتزاج .. إنسحب ، لا ترهن حبك ومشاعرك على الوهم ، لا تدخل في معركة خاسرة ، الدنيا لن تقف ولن تنتهي ، الحب ليس بالغصب والقوة والعواطف والإهتمام لا تُطلب بالإستجداء ، فلسفة الحُب تعني الحكمة ، وليس من المنطق والحكمة أن نتمسك بشخص لا يريدنا بل من الغباء أن نفعل ذلك ، أحياناً أعظم شي ممكن أن تفعله لنفسك أن تتخلى عن كل ما يعيق حياتك ، أن تتخلى وتعتبر هذه العلاقة مجرد تجربة تزيدك وعي ونضج في المستقبل هي الحكمة التي من الممكن أن تجعلك إنسان واعي وقوي .
على هذا الكوكب يوجد 8 مليارات بشر تقريباً ، صعب جداً أن تحكم على نفسك وعلى حياتك من خلال شخص واحد أو تجربة واحدة ، وتعممها على الجميع ، لا تنغلق على علاقة واحد ، وعندما تفشل تموت فيها ، فلسفة الحُب كذلك تعني الحرية ، حرية الإختيار وحرية الحصول على الإحساس النقي الذي يشعرنا بالأمان ، وإذا لم تجد نفسك في وضع يجعلك سعيداً آمناً قوياً ، فأنت تخوض في علاقة مقدر لها الفشل ، الحب الحقيقي يقوي ، ولا يجعل صاحبه ضعيفاً منكسراً ، لا يطيق حياته ولا نفسه ، ليس حباً هذا الذي يجعلك تكره نفسك !
أنا أعرف أن الحُب هو مصطلح مقدس لا يجب أن نستهتر به ونهينه بتجارب صبيانية وشهوات تافهة ، رجاءً إبحث عن حبك الكبير والحقيقي ، فالحب الذي ينتهي لم يكن حباً من الأساس ، إبحث عمن يستحق حبك الغالي وعش الحب معه واليه ، إبحث بحكمة ونضوج ، إبحث بعقلك وليس بعضو ثاني في جسمك ، وصدقني يا صديقي ، ستجد الحب الحقيقي وستعيش فلسفته الراقية ، ستجد شخصاً يحبك مثلما تتمنى ، دخول بعض الناس لحياتك هو مجرّد درس ، تتعلم من خلاله قواعد أساسية تطبقها باقي حياتك ، أولها هو عدم الإفراط بالعاطفة ، وثانيها أن تخفض سقف توقعاتك.
الحياة تجارب يا صديقي ، ستحب ، ستفارق ، ستُهجر ، هكذا هو الحب مهما أوجعك لا تكف عنه ، لأن الحب هو الحقيقة الوحيدة الموجودة في هذه الحياة المليئة بالوهم ، فقط لا تيأس .