Social Icons

زوربا: لـ | وليد حمدي اسرائيل

منذ وقت طويل ، أتذكر أني كنتُ أحب فتاة لا تُحبني ، كنت أمر بمراهقة عاطفية ساذجة ولم أكن أملك الوعي ولا الفكر الذي يجعلني أسيطر على عاطفتي تجاه الآخرين ، فكنت أتألم من بعدها عني وهجرها لي ، كنت أُحدث نفسي دائماً : " ترىٰ ما العيب فيِّ ، وما الذي يجعلها غير معجبة بي ؟ " ، كنت أحس بنقص وحالتي النفسية كانت سيئة جداً بسببها ، بقيت أصارع شغفي تجاهها وأحاول قمع رغبتي بها فترة طويلة ، إلا أنني فشلتُ مراراً ، كنت متعلق بها وبكل تفاصيلها الى الحد الذي جعلني لا أرىٰ غيرها من نساء ، بالمقابل هي لم تُعرني أي إهتمام مطلقاً ، الذي ساعدني على نسيانها هي ( رواية ) ، نعم مجرد كتاب أشتريته مرة وكان أسمه (زوربا) لنيكوس كازانتزاكيس ، كانت تلك الفتاة تُسيطر على عقلي حتى عندما أقرأ أو أتصفح الإنترنيت ، في أحد فصول الرواية سأل الرئيس زوربا وقال له :

- لماذا قطعت أصبعك ؟
أجابه زوربا : " لقد كانت تزعجني وتقفُ في طريق عملي في النحت ، وتفسدُ عليَّ مشاريعي ، وفي ذات مرة أمسكتُ بفأس صغيرة ثم ... " 
- ألم تشعر بالألم ؟ تحدث الرئيس
فقال زوربا : " كيف لم أشعر بالألم ؟ هل تعتقد أني جذعُ شجرة ؟ ، أنني إنسان ، لقد تألمت ، لكن كما قُلت كانت تقفُ في طريقي فقطعتها ! "
- ثم هدأ البحر عند غياب الشمس ثم رحتُ أفكر والمتحدث هنا هو الرئيس : " كيف نحبُ إلىٰ هذا الحد ، ثم نأخذُ فأساً ونقطع ثم نتألم ؟

هذا المشهد الحواري في هذه الرواية هو الذي أحدث زلزال في تفكيري وصعقة ضربت مشاعري كلياً ، نعم كانت تلك الفتاة مثل أصبع زوربا بالنسبة لي ، كانت تعيقني وتسيطر عليَّ وعلى مشاعري وتقف في حلقي مثل قطعة زجاج ، الذي حدث أنني حملتُ فأسي كذلك وقطعتها ومزقت جميع الذكريات بألم شديد ثم ما لبثتُ حتى تحررتُ كلياً منها ومن عشقها الساذج ، بعد هذا الفعل كنتُ أفكر كم كنت غبياً عندها ، فليسَ هنالكَ أحد يستحق أن نلغي كياننا ونعطل حياتنا لأجله ، هي إهانة كبيرة لذواتنا أن نقف على الهامش في حياة شخصٍ آخر ، في ذات الوقت الذي كنتُ أشعر بالحزن لأني كنتُ أسير عشقٍ وهمي إكتشفتُ بعد ذلك سعادة أن أكون في حياة شخص لا يعاملني كأنني شخصٌ عادي ، هذه الحادثة تخطر على بالي كلما سألني شخص ترىٰ مالذي تستفيده من إضاعة وقتك في قراءة الروايات والكتب ، لولا زوربا وكلماته لما ساعدني أحد ، أعشقُ تلكَ النصوص الأدبية المرصوفة ، أعتبرها الصديق الأوفى لي عندما أريد أن يحدثني أحد ويرتشفُ بعضاً من حزني ويواسيني ... القراءة ليست للتفاخر والتسابق لأجل تسطير عشرات الكتب ، بل هي قراءة كتاب واحد ربما قد يساعدك في تغير حياتك جذرياً ... فالأدب هو موهبة أن نحكي حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص آخرين ، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة .

حقوق الطبع والنشر محفوظة ، لـ مجلة انا وذاتي