دائماً ما كنتُ أشعر أنّ في داخلي يعيش شخصان مختلفان بجوارِ بعضهما البعض ، بإمكانهما أن يكونا صديقين ، لكنهما ليسا كذلك ، هما يقولان " كل ما في الأمر أننا مختلفان تماماً " ، ليس إنفصامًا كما يسمونه علماء النفس إنما هي حالة غريبة من الفوضى التي تولدها الوحدة ، الوحدة التي تجعلنا نخلقُ أصدقاءًا وهميين ، اليوم فقط أكاد أسمع أنهما يتشاجران في داخلي ، يعاتبُ أحدهما الآخر ، أحدهم يقول : حسنًا إنتهى كُل شيء ، أنت ضعيف يا صديقي ، كنتَ طوال هذه الفترة فاشلاً في قيادة هذا الجسد الهزيل ، كنت ضعيفاً ورقيقاً أكثر من اللازم وهذا تسبب بأن يهوي هذا الجسد في وادٍ عميق من الكآبة السوداء ، كان السقوط الأخير مدويٍ ومؤلم فعلاً ، إنتهى دوركَ الآن ، سلمني القيادة ، عندما تواجه هذا العالم القبيح وهذه الكائنات العرجاء التي تُسمي نفسها بشراً فلا مجال للضعف ولا للرقة ، هؤلاء إنّ كُنتَ قاسياً معهم سوف يهابونك ويحترمونك ويجلون قدركَ ومقامك ، وإنّ كُنتَ لينًا معهم سوف ينتزعون عيونك من وجهك ، أمّا الآخر فاكتفى بالصمت.
في السابق ، أتذكرُ أنّني كنتُ قوياً جداً ، ثم قوياً ، ثم أقل قوة ، ثم بلا قوة ثم منهكاً ، ثم بدأت أشعر بالضعف ثم أصبحت ضعيفاً ثم أقل ضعفاً ثم هشاً .. ثم قاسياً كالموت ، هذه الخطة الحالية .. أو هذا الذي أخطط أنّ أصل اليه ، ولا أملكُ خطةً أُخرى ، وربما لا أعرف كيف أسطر بعض الأحرف تِباعًا كي تصف الحالة التي أنا عليها اليوم أو التي مررتُ بها ، جلّ الذي أعرفهُ أنّني لم أكُن بخير ، لم أكُن على وفاقٍ مع هذه الحياة ، ولم أكُن على إنسجامٍ تام مع هذا المجتمع الذي جعلني غريبًا هكذا .. أيقنتُ أن ضغوط الحياة تتوالى ، وأنها تزدادُ قسوةً ورهبة ، ونحن نزداد غلظةً وصبرا .. كانَ عدم إنهياري بشكلٍ صارخ ومتدفق في الأوقات التي كانت تستلزمُ ذلك ، جعلني ذلك أدفع الثمن بأن أتعرض للإنهيار كُل يوم بشكلٍ مُصغر .. لم تعُد الخيبات تُدهشني فلقد إعتدتها ، ولم تعُد الشكوى تفيدني بشيء ولا تستطيع الكتابة أنّ تُخرجُ هذا الغضب الذي يخنقُ روحي فأهملتها وأنزويتُ بعيدًا عن الأنظار .. مُكتفيًا بما أملك ، سريرُ دافئ ، بعض الأوجاع الجسدية ، الكثير من علب الدواء ، وشجار هذان الأحمقان في داخلي .. وطفلٌ صغير يجلس بينهما مرعوبًا ويصرخ بوجه الحياة .. لم أعُد أصلحُ لكل تلك القسوة ... لقد اكتفيت !